اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
109166 مشاهدة
الحث على التوبة الصادقة بعد الرجوع من الحج

نعرف أن الإنسان الذي جاء إلى هذه المشاعر قصده- إن شاء الله- الأجر والثواب من الله تعالى فإذا كان كذلك فإن عليه أن يصدق التوبة، وأن يتوب إلى الله توبة صادقة.
ذكر بعض مشايخنا عن مشايخهم أنه كان في المسجد الحرام قريبا من الباب حفرة يسمونها حفرة التوبة وأن العاصي الذي وقعت منه معاصٍ إذا جاء هناك رفع يديه وقال: يا ربِّ إني تائب. ولكن تلك الحفرة لا أساس لها؛ وإنما التوبة تكون في كل الأماكن. ولكن الإنسان الذي جاء إلى هذه المشاعر، المشاعر والشعائر: البيت الحرام والمقام والحجر والصفا والمروة ومنى ومزدلفة وعرفة والجمرات والأعمال التي تعمل فيها جاء لأجل أن يتعلم، وجاء لأجل أن يعمل وأن يتعبد.
فإذا كان كذلك فإن عليه أن يرجع تائبا مخلصا يتيقن أن صَدَقَ اللهَ تعالى في توبته. يمتثل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا يتوب من كل الصغائر، ومن كل الكبائر، ومن كل الذنوب. ويعاهد الله على ألا يخل بالعبادات: فرائضها وسننها ونوافلها. ويعاهد ربه على ألا يرتكب محرما، وعلى ألا يفعل ذنبا أيا كان ذلك الذنب أو يقف في آثار الصالحين. يعرف أن الصحابة قد طافوا بهذا البيت فيقتدي بهم. ويعرف أنهم قد وقفوا في هذه المواقف فيتذكر أحوالهم.

ويعرف أيضا أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قد وقف في هذه المشاعر فعند ذلك يعرف أنهم أهل التقى وأهل الإيمان وأهل العلم وأهل الديانة، وهم أولى بأن يقتدى بهم وأن تتبع آثارهم. لم يكونوا يفعلون شيئا من المحرمات، ولا يتركون شيئا من الواجبات. يمتثلون ما أمر الله به من ترك المحرمات كقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ .
وحرم الله تعالى الاعتداء على كل مسلم. وحرم الظلم بجميع أنواعه: الظلم الذي بين العبد وبين ربه، والظلم الذي بينه وبين نفسه، والظلم الذي بينه وبين العباد.
فإذا عرف أن ذلك كله مما حرمه الله فإن عليه أن يعاهدَ اللهَ تعالى. يقول ابن عباس رضي اللهُ عنهما: إن الإنسانَ إذا استلمَ الحجرَ أو أشارَ إليهِ فكأنه يعاهدُ ربه. يقول: إن من استلمه فكأنه استلم يمين الله فكأنه يقول: أعاهدك يا ربِّ في هذه البقعة المباركة وعند بيتك المحرم أني لا أعود إلى ذنب، وأني أتوب من صغير الذنوب وكبيرها، وأني أرجع متأثرا بهذه الأعمال التي أنا أعملها والتي تقربت بها إليك. إذا كان كذلك فلا شك أنه سيتأثر ويرجع تائبا، ويقبل الله عمله، ويضاعف له أجره.
فأما إذا رجع وهو على عادته على تفريطه في العبادات، وعلى تأخره عن الصلوات وعلى تأخير الجماعات، وعلى تعاطيه للمسكرات أو للمخدرات، وعلى سماعه للأغنيات أو للملاهي وما أشبهها، وعلى تعاطيه للمعاكسات أو ما أشبهها على تفريطه وعلى معاصيه رجع إلى ما كان عليه قبل الحج؛ فقد يكون حجه غير مقبول وغير مستفاد منه، فلا يكون تائبا توبة صادقة.
ذكر العلماء أن للتوبة ثلاثة شروط أو أربعة:
الشرط الأول: الإقلاع عن الذنوب، والشرط الثاني: الندم على ما فات، والشرط الثالث: العزم على ألا يعود، والشرط الرابع ويختص بالمظالم: أن يرد المظالم إلى أهلها.
فأما من قال بلسانه: إني تائب، أتوب إليك وهو مع ذلك مستمر في السيئات وفي ترك الطاعات فليس بصادق ولا تقبل توبته. وكذلك الذي يقول: أنا تبت ومع ذلك يتمدح في المجالس ويقول: أنا قد زنيت بفلانة كذا وكذا، وقد فعلت سكرت وشربت، أو قد اقتنيت كذا وكذا من المحرمات. فهذا يتمدح بالمعاصي فلا تقبل توبته، ولا تكون توبة نصوحا.
وهكذا أيضا الذي يتوب في وقت محدد أو مكان محدد كأن يتوب في هذه المشاعر ولكن في نيته أنه إذا رجع إلى بلاده عاد إلى ما كان عليه من الإهمال ومن التفريط فلا تقبل التوبة.
فعلينا أن نرجع صادقين في توبتنا. كل ذنب صغير أو كبير يعمله المسلم يتفطن أن الله تعالى حرمه فيتوب عليه. فمثلا حرم الله تعالى التكبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ؛ لأنه يتكبر على الله ويتكبر على عباده.والله تعالى يقول: العظمة إزاري والكبرياء ردائي ؛ فيتوب من ذلك ويتواضع. يتواضع لعباد الله ويتواضع لربه سبحانه وتعالى.
كذلك أيضا من جملة ما حرمه قوله تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا أي تكبرا وإعجابا بنفسك. تمشي في الأرض مرحا. وقال تعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ يعني تترفع عليهم. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ يتجنب هذه الأخلاق لعله بذلك يكون مقبول السعي.
كل منا يحرص على ألا يكون سعيه ضائعا، على ألا يكون تعبه لا يستفاد منه. أنت قد تعبت وقد خسرت وأنفقت جزءا من مالك، وتركت بلادك وتركت أهلك وتركت أموالك وحرفك وتجاراتك ووظائفك وأعمالك لماذا تركتها؟ أنت تركتها لأجل أن تحصل على المغفرة، وأن تحصل على المباهاة. إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته تركْتَها لأجل أن تكون من أهل الثواب الأعظم. فإذا كانت هذه نيتك فاصدق مع الله تعالى، وحقق هذا القصد الذي هو طلب وجه الله تعالى، والذي هو الأعمال الصالحة التي يحبها الله سبحانه وتعالى.
نكتفي بهذا في باب الوصايا ولنشتغل بالأجوبة على الأسئلة.